“إنّ موتي شرط لانتصار قضيّتي””لقد أتممت لكم رسالتي وسأختمها بدمي”


تتوالى في هذه الأيام حملاتٌ يُقصد منها النيل من قاماتٍ حزبيّة بطريقة مباشرة تارة وتارة أخرى بطريقة ملتفّة. ومعظمها مصوّبٌ بشكلٍ خاصّ على رفيق سعادة الأوّل الرفيق جورج عبد المسيح، وإن لم يُذكر بالاسم أحيانًا، لكأنّ هذه القامة القوميّة ما زالت تقضّ مضاجع كثيرين، وإن بعد مرور ما يزيد على عقدين من السنين على انتقاله بالوفاة؛ ويشارك في هذه الحملة بعضٌ ممّن لم تطهّر العقيدة نفوسهم من أدرانٍ ومساوئ شوّهت جوهر هذه النفسيّات. واللّافت في الأمر أنّ هؤلاء المتفلّتين من ضوابط المنطق والأخلاق وجدوا مسارب تسمح لهم ببخّ السموم التي جاء سعادة بفكره وممارساته ليشفيهم منها ومن آثارها.
مقدّمة لا بدّ منها قبل تناول ما كتبه الدكتور سليم مجاعص ونُشر على بعض مواقع التواصل الاجتماعيّ. وما نشر تحت عنوان “إنّ موتي ليس شرطًا لانتصار قضيّتي”، إضافةً إلى قول سعادة “لقد أتممت لكم رسالتي وسأختمها بدمي”، وليس “ختمتها” ويحاول الدكتور مجاعص في مقالته أن يثبت أنّ هذين القولَين ليسا لسعادة، في محاولة تفسيريّة أقلّ ما يقال فيها إنّها إسقاط ما يعتمل في الذات، وإن أدّى إلى تخديش الوجه المتألّق لصفحاتٍ من تاريخ الحزب والمعبّرين عن هذا الصفاء.
قد نجاري حضرة الدكتور في عدم اقتناعه بحقيقة هذين القولين، فهذا شأنه، ولن نعمل على إلزامه بقبولهما؛ ولكنّنا لن نجاريه بطريقته التي إن دلّت على شيء فكأنّها تدلّ على إفراغ حقدٍ دفينٍ، ليس من شيمه، ربّما شكّل عبئًا على تفكيره منذ زمن وحاول أن يفرغه الآن؛ وإلّا كيف نفسّر هذا الكمّ من التعابير التي تختلط فيها السخرية بالذمّ :”العواطف السلبيّة، الاعتراضات الخطابيّة، التحذلق الكلاميّ، التعالي المناقبيّ المزيّف، شتائم أدبيّة، الترهّات الخطابيّة اللّامنطقيّة، الفساد المنطقيّ، لوثة دينيّة”. عبارات لا تنمّ عن نفسيّة قوميّة اجتماعيّة.
فإذا كان يحق لحضرة الدكتور ألّا يقبل بنسب هذين القولين لسعادة، أفلا يحقّ لسواه من القوميّين ومن أصدقائهم أن يصرّوا على جعلهما من أدبيّات الحزب التي نقلها أحد الصادقين المخلصين عن سعادة وكان الأقرب له فكرًا وموقعًا ولا شك بمروياته المدوّنة والمنشور بعضها في أجزاء خمسة “أيّام قوميّة”، والعود إليها قد يجلي بعضًا من الشكّ ويعيد أصحابه إلى الصراط المستقيم.
اسمح لي يا حضرة الدكتور الذي أجلّ وأحترم، أن أطلب إليك أن تعيد النظر بالمكتوب والمنشور، وأن تحذف منه العبارات الآنفة الذكر لأنّها تسيء إلى مصداقيتك، ولك أن تحافظ على رأيك، شرط أن لا تلوّن رأيك بالآخرين، بألوانٍ قد تشفي غليل حاقدين، ولكنّهالا تليق بك.
وهنا لا بدّ من الإشارة إلى أنّ محاولة تفسيرك للقولين محاولة غير دقيقة ربّما لأنك أردت الوصول إلى الخاتمة قبل حصولها.
فليس التفسير بهذه البساطة وبهذه الخفّة، فالأمر أعمق وأدقّ من فرضيّات لا ترقى إلى مستوى الوقائع والحقائق، فرضيّات هي أقرب إلى الجدل العقيم منه إلى أيّ شيء آخر. ومثل هذه الطريقة يزيد من حالة التشويش والفوضى الفكريّة.
بالمقابل فإنّنا نشدّ على يدك في توضيح مسألة “إعادة محاكمة سعادة” على أن تختار عنوانًا آخر للمقالة إذا أمكن. فلو أنّك سلكت المسار نفسه في المقالة الأخرى لكنت خفّفت كثيرًا من السلبيّات التي نحن بغنى عنها.
وقبل أن أختم هذه العجالة أضيف أنّنا لن ندخل الآن في نقاشِ حول قيمة القولين وحقيقتهما في الزمان والمكان وليس بالمطلق، فلهذا مكانٌ آخر يأتي في حينه. فقط أريد أن أشير إلى ما قاله الزعيم للرفيق عبد المسيح في عاليه قبل انتقاله إلى دمشق : “إذا كان لا بدّ من إكمال تعاليمي بالدم، فإنـي أفضل أن يكون دمي الفداء عن الذين ستهرق دماؤهم في اشتباك مع الحكومة.
فإلى لقاء فكريّ آخر مع كلّ التقدير والاحترام.
في 21 تمّوز 2023 نايف معتوق

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى