الأخلاق العقليّة رافعة الفلاح

“كلّ نظامٍ يحتاجُ إلى الأخلاق، بل إنّ الأخلاق هي في صميم كلّ نظامٍ يمكن أن يُكتبَ له أن يبقى”. (سعادة – 1941).
من خصائص الفرادة في الحزب السوري القومي الاجتماعي أنّه حزب المناقب والأخلاق العقليّة التي ترتفع بنا، نحن السوريين القوميين الاجتماعيين، إلى أعلى درجات السموّ، وهي القاعدة نفسها دون سواها التي يجب أن يعتمدها كلّ مَن تاقَ إلى الأحسن والأجمل والأجود؛ وليس عبثًا أن يركّز الزعيم على هذا الأمر في كلّ محطّة يتوقّف فيها عند الثوابت الراسخة التي يقوم عليها نجاح العمل القومي. والأخلاق العقليّة هي “من أهمّ مسائل النهوض القوميّ بعد تأسيس فكرة الأمّة، وبعد تعيين المقاصد الكبرى”؛ إنّها الروحيّة الحقّة التي تجعل من الجماعة قوّة موحّدة حقيقيّة بانية.
والأخلاق العقليّة هي فعل التزامٍ بالقيم القوميّة التي كشفت عنها المبادئ القوميّة الاجتماعيّة، والتي يُقسِمُ على الالتزام بها كلّ مُقبلٍ على الدعوة القوميّة الاجتماعيّة؛ وفي قسَمِه ما يؤكّد على الأسس التي يجب أن يلتزم بها؛ وأيّ جنوحٍ وخروجٍ على هذه القواعد والأسس يضع الجانح أو الخارج في خانة الحانث بقسمِهِ ويرتّب عليه تحمّلَ النتائج النظاميّة الحزبيّة، ناهيك بالنتائج النفسيّة التي يُفترضُ أن تقضّ مضجع أمانه، ولو تظاهر بما هو عكس ذلك.
أمّا الأسس التي يقوم عليها قَسَم العضويّة فهي:
– الإخلاص والعزيمة الصادقة.
– اتّخاذ مبادئ الحزب إيمانًا للمقسِم ولعائلته وشعارًا لبيته.
– الاحتفاظ بأسرار الحزب وعدم البوح بها تحت أيّ ظرفٍ من الظروف.
– حفظ قوانين الحزب ونظاماته والخضوع لها.
– احترام قوانين الحزب وإطاعتها.
– تنفيذ كلّ ما يعهد للمقسِم بكلّ أمانةٍ ودقّة.
– السهر على مصلحة الحزب.
– تأييد الزعيم وسلطته.
– عدم خيانة الحزب والفروع والأعضاء.
– تقديم المساعدة، في حال الإمكانيّة، إلى أيّ عضوٍ محتاج.
هذه الأسس التي يشتمل عليها نصّ قَسَمِ العضويّة تشكّل وَحدة متكاملة لا انفصام بينها إذ “الحنث بإحدى موادّ القَسَم الذي معناه الحنث بالقسم كلّه” (سعادة، أيلول 1943)، وليس مقبولًا أو مسموحًا أن نأخذ بأساسٍ ونهمل الأسس الأخرى؛ ذلك أنّ القَسَم نابعٌ من وحدة العقيدة القوميّة الاجتماعية، والتي هي بدورها تعبير عن وحدة حياتنا السوريّة، وجميعها محصّنٌ ومصانٌ بالأخلاق العقليّة التي هي ميزةٌ فريدة من مزايانا القوميّة السوريّة.
فالإيمان بالمبادئ عنوانه الإخلاص والصدق، والالتزام بالقوانين والأنظمة القوميّة الاجتماعية واحترام القرارات وإطاعتها، وتنفيذ ما يُعهد به للعضو بكل أمانة ودقّة، والسهر على مصلحة الحزب؛ هي القيم النفسيّة والعمليّة التي تجعل من العضوِ في الحزب السوري القوميّ الاجتماعيّ إمكانيّةً إنسانيّة فاعلة ترتقي إلى مستوى توافق الممارسة مع حقيقة الوعي القوميّ. وأيّ خللٍ في الفهم والممارسة يعطّل فعل العملِ الهادف الراقي ويعرقل العمل القويم مهما كان مستوى العرقلة. فما فينا من عظمة الحياة يجب أن نقدّمه لحياتنا كي لا نخون الأمانة ونميت الوديعة التي أودعتها فينا الأمّة.
وعليه فإنّ التمرّس السليم بمضمون مفاهيمنا القوميّة يبقى معرّضًا للاهتزاز إن فقد العنصر الضامن الذي هو الأخلاقية العقليّة، لا بل إنّ العقيدة القوميّة الاجتماعيّة والعقليّة الأخلاقيّة أمران متلازمان لا يمكن أن يتحقّق الواحد منهما دون الآخر، علمًا أنّ الحزب السوري القومي الاجتماعيّ هو حزب المناقب بامتياز، ولا يُسمحُ لأيّ مقسِمٍ تجاهل هذا الثابت الحياتي، وإلّا يتعرّض للوثاتٍ تلطّخ حقيقة الصفاء الطبيعيّ فيه فيسقط في وحل مساوئه ويستمرّ المجتمعُ شامخًا بألق قيمه السامية.
والمناقبيّة – الأخلاقية العقليّة، هي التي طبعت عملنا منذ أن تأسّس الحزب السوري القوميّ الاجتماعيّ – التعبير الحيّ عن حقيقة نفسيتنا؛ ولم يُغَضَّ الطرفُ عن أيّ تهاونٍ في هذا الشأن، فمن لم يصمد أمام موجات الإغراء والترغيب والترهيب، ومن لم يجعل العمل القوميّ الصافي يعلو على أيّ منفعةٍ فرديّة، غير جدير بحمل أعباء هذه النهضة. وفي تاريخ حركتنا نماذج عمّن لم تقوَ إرادتهم على جعل مصلحة سورية فوق كلّ مصلحة، ومصلحتها في مصلحة الحزب المعبّر عن حقيقتها؛ هؤلاء سقطوا ولُفظوا إلى حيث يجب أن يُلفَظوا. وهذا التاريخ عينه حافل بنماذجَ قومية عصت على كلّ إغراء وترهيب وتمرّست بما تتطلّبه شروط العمل الحزبي السامي التزامًا بالقَسَم إلى أقصى الحدود.
أمّا عدم الالتزام، فأقلّ ما يقالُ فيه إنّه عبثٌ بالقيمة العليا-اليمين التي يحلفها المقسِم أمام مسؤولٍ وشاهدَين في التزام راسخٍ بالأنظمة المرعيّة الإجراء، وبالدرجة الأولى أمام نفسِه المنزّهة عن السوءات؛ وأيّ حنثٍ بالقَسَم إنّما هو خيانة للذات قبل أن يكون خيانةً للمؤسّسة التي أقسم يمين الالتزام بكلّ قواعد أنظمتها.”… لا يمكن اعتبار من يعتقد هذا الاعتقاد … ويخرج على اليمين والنظام الحزبيين ويضع هذه الشروط، عضوًا في الحزب السوري القومي الاجتماعي، فالعضو في الحزب هو الذي يطيع قوانين الحزب المسنونة. ويعمل بموجب نظامه السائر على الجميع وليس من يجعل نفسه النظام والقانون ليطيع ما يراه هو متّفقًا مع “حقوقه الفردية” وليعصَ ما يراه هو متعارضًا مع “حقوقه الفردية” “.(إلى مديريّة تكمان، 28 نيسان 1941).
و”الحقيقة أنّ خرق اليمين من أسوأ جرائم الاجتماع المناقبية. فإذا بُليت به أمّة دُكّ عمرانها إلى الحضيض. وإذا شاءت أمّةٌ عاثرةٌ النهوضَ كان الحنث باليمين وخفر الذمّة ونكث العهد في صدر الأدواء الّتي يجب معالجتها لكي يمكن أن تعمر نهضة وأن يثمر مجهود عامّ وأن تتحقّق قضيّة. فوجود المبادئ والتعاليم الأساسية للقضيّة القومية لا يكفي وحده لتحقيقها. فلا بدّ من العزائم الصحيحة للعمل العظيم. والعزائم الصحيحة لا توجد في النفوس الّتي غلبت مثالبُها مناقبَه”.(الزوبعة، الأوّل من أيلول 1943).
“لا حجّة لمن يحنث بيمينه في الحزب السوري القومي الاجتماعي غير ضعف الأخلاق والاستهزاء بالقيم المناقبية، ولا عذر له غير الجهل وفقد الإدراك”.”.(الزوبعة، الأوّل من أيلول 1943).
فالحنث باليمين والخروج على قاعدة الالتزام بالقواعد العقديّة، وعلى روحيّة القَسَمِ الحزبيّ هو سقوطٌ في مثلبةِ الفرديّةِ التي يُفترضُ ألّا تعود إلى البروز بعد اعتناق القوميّة الاجتماعيّة إلّا إذا كان المُقسِمُ آمنَ ظاهرًا ولمّا يدخل الإيمان الحقيقيّ العميق إلى العقل والقلب. ولطالما شدّد حضرة الزعيم على خطورة الترسّبات الفرديّة التي يمكن أن تذرّ بقرنها في حالاتٍ من الخلل التي قد تصيب بعض الإمكانيّات البشريّة التي لم تتشدّد أعصابها وإرادتها بالعقيدة القوميّة الراسخة والثابتة، وبعمق الإيمان بها والاقتناع بمقتضياتها وموجباتها.
“لقد جعل الزعيم “مهمّته الأولى تثقيف من وجد نفوسهم طيبة، مجرّدة عن المآرب النفعية، صالحة لحمل القضيّة بإخلاص، قابلة لسلوكية المناقب والأخلاق الجديدة، مستعدّة لحمل المسؤوليات، واحترام القوانين والأحكام، وقداسة اليمين الّتي يؤدّونها، وتدريبهم على الأنظمة والقوانين الّتي سنّها وقَبِلها الحزب كلّه، وأكبرها رجال الحقوق فيه. فما استشعر الزعيم بادرة انحراف نحو الفساد في جهة من الجهات، حتّى باشرها بالعلاج التثقيفي. فإذا لم ينفع العلاج، اتّخذ طريقة حاسمة لقطع دابر الفساد وإهلاك بؤرته”. (الزوبعة، العدد 16، 15 آذار 1941).
والواقع أنّ “قطع دابر الفساد وإهلاك بؤرته” كان يسبقه تثقيفٌ وتوجيهٌ علّ الأصالة الكامنة في أيّ شاذٍّ تنتصر على السوءات العارضة؛ أمّا إذا تغلّبت السوءات في الإمكانيّة – الفرد على الجوهر الأصيل، فإنّ اقتلاع الفساد يصبح أمرًا حتميٍّا.
إشارة إلى أنّ الالتواء العارض غير المقصود يستتبع اعتذارًا وتوبةً ويعود التمرّس الحزبيّ إلى مساره السليم؛ قد يخطئ الفردُ، والخطر الأكبر أن يصرّ على خطأه ويبني عليه، وبالتالي يصبح الخطأ مثلبةً تؤذي ويجبُ “قطع دابرها”؛ أمّا إذا أقرّ بخطأه وعاد عنه فإنّه يبدي من الروحيّة القوميّة ما هو في صميم عمليّة العمل الحزبيّ وفي عمليّة البناء الاجتماعي السليم.
بناءً على كلّ ما تقدّم لا يمكن القبول بأيّ خللٍ نظريٍّ وتاليًا تطبيقيّ في الحياة الحزبيّة لأيٍّ منّا يخالف مضامين القسم، لأنّ ذلك يناقضُ كلَّ موجبات عملنا الحزبي، وينسف كلّ الأسس التي يقوم عليها هذا العمل. فالمطلوبُ أن نكون الجنودَ الحقيقيين للأمّة التي كشف سعادة عن حقيقتها، وأن نرميَ جانبًا كلّ ما يمكن أن يؤثّر على شفافية علمنا وعملنا، وأن لا ندعَ المجال لأيِّ منفعةٍ فرديّة تحرفنا عن النظر الجدّي والحقيقيّ إلى مصلحة أمّتنا، التي هي فوق كلّ مصلحة، ومصلحة الأمّة هي في العمل لمصلحة الحزب – الأمّة مصغّرة.
وهذا يتم من خلال تنفيذ كلّ ما يُعهد به إلينا بكلّ أمانة وإخلاص، وأن نطبّق القوانين بكلّ حذافيرها، ونُقدم، دون أيّ تأخير، على تنفيذ كل المقرّرات التي تصدر عن مؤسّساتنا الحزبيّة.
لقد آمنت بكم أمّة معلّمة وهادية للناس، قال سعادة؛ والأمّة المعلّمة الهادية لا تقبل إلّا أن تكون المعيار الثابت والراسخ والدقيق في كلّ الشؤون العامّة، ولا تقبل بأيّ زوغانٍ أو مواربة أو تراخٍ، أو جعل الظروف تتحكّم بقراراتنا وتحرفنا عن الالتزام بالضوابط الحزبيّة.
ليعد كلّ منّا إلى صفاء نفسه ويتعهّد بينه وبين نفسه، وتحت قسمه، على أن لا خلاص إلّا بالعقيدة وبالالتزام بكلّ ما أقسمنا على تحقيقه.
ومن المفيد أن نستنير ببعض ما كتبه سعادة في دائرة المحور الذي نتناوله:
“مهما يكن من شيء فإنّ خطّتي في مثل هذه الحالات إعطاء كلّ سوري، تهمّه قضية شعبه، فرصة ليبرهن عن صدق عزيمته وصلاحه للعمل النظامي، وتجرّده عن تسخير المصلحة العامّة لمصلحته الخصوصية، أو تعريض الحركة القومية لخطر المآرب الخصوصية الفردية أو التكتّلية”. (رسالة إلى وليم بحليس 1940).
– “فمبدأ التضحية الفردية في سبيل خير المجتمع هو أهمّ مبدإ مناقبي قام عليه فلاح أيّ مجتمع متمدّن أو متوحّش”.(“الزوبعة، 1 أيلول 1941).
– “والتضحية ليس لها شكل واحد لأنّها ليست حالة شكلية، بل مبدأً عامًّا. فالذي لا تكون التضحية قاعدة عامّة عنده لا يعرف البطولة الاجتماعية ولا يقدم عليها، ففائدته للمجتمع قليلة أو سلبية”. (“الزوبعة، 1 أيلول 1941).
– “قلنا ونكرّر القول بوجوب مكافحة النزعة الفردية مكافحة شديدة على نسبة شدّة خطرها. فهي من ألدِّ أعداء نهضتنا النفسيين”.”الزوبعة”، العدد50، 15 آب 1942).
– “النزعة الفردية تقود حتمًا إلى عدم الشعور بالمسؤولية. فكلّ من ارتبط بعهد اجتماعي سياسي لا يمنعه عهده من إطلاق العنان لنزعته الفردية الّتي شبّ عليها. وفي حالة حصول تصادم بين نزعته الفردية والنظام الّذي تعهّد له فضّل نزعته على النظام غير عابئ بالأضرار الّتي تلحق بالمجتمع من هذا التفكّك”. ( “الزوبعة” ، الأوّل من آب 1942).
– “يجب على القوميين الاجتماعيين أن يكافحوا النزعة الفردية مكافحتهم الاحتلال الأجنبي”.( “الزوبعة”، الأوّل من آب 1942).
خلاصة كلّ ذلك أنّ النزعة الفرديّة آفةٌ هالكة أو مرضٌ خطير تجبُ محاربته لأنّ نتائجه السلبية تعيقُ مسار التطوّر الاجتماعي، وهي النزعة الفرديّة نفسها التي تدفع الفرد إلى الحنث بالقسمِ وإلى الخروج على قواعد الدستور والأنظمة القوميّة المرعيّة، وتضعه على ضفّة تعاكس ضفّة البناء السليم والعمل القويم؛ ممّا يعطّل فيه الطاقةَ التي وهبته إيّاها الحياة، فيخون الأمانة ويقضي حياته على الهامش ويسقط مع سوءاته.
الرفيق نايف معتوق
في أيّار 2018
ملحوظة: من المفيد، لا بل من الضروري قراءة مقالة “اليمين” لحضرة الزعيم تحت عنوان أساس “دروس قوميّة”. (“الزوبعة” تاريخ 1 أيلول 1943).