تـحـريـر الـعـقـل

 
يمتاز الانسان – وهو تعبير الحياة الأرقى عن ذاتها – بأنه درجة “التعبير المدرك” في مجرى التطور الحياتي المتسامي. فالحياة العاقلة في صراعها انتصرت على عوامل الطبيعة – وهي منها – التي تطغي، وتكبل الفعل التعبيري للادراك. واذا عرفنا مع زينون الرواقي مثلاً، – وقد جاراه فلاسفة محدثون عظام – أن الحياة حاصل تفاعل طبيعي، لتفهم معنى “أن أرضاً مثل أرضنا ضرورية لحياة مثل حياتنا”، يسهل علينا تفهم القول ان “ما لا يدرك لا يمكن أن ينتج مدركاً”.
 
ومع هذا يبقى تحرير العقل موضوعاً لا يضاهيه في أهميته، بالنسبة الى الانسان أي موضوع آخر. وقد أصبح هذا الموضوع ذا أهمية خاصة في فترة تبلور “الأنانية” التي تشل فعل العقل (الادراك الحياتي الواقعي) في الأفراد. فموضوع تحرير العقل يُعنى “بالفرد” لأن لا معطل لفعل العقل في الواقع، انما التعطيل “فردي” جزئي طارىء بفعل المساوىء.
 
المساوىء التي تنال الفرد تجعله مشلول الادراك مستسلماً للأوهام منقاداً بأصفاد وبسلاسل عبودية الباطل. وكثيراً ما تساعد الوسائل المكتشفة بفعل العقل لسيطرته، على فعل العقل نفسه في الأفراد فتشلهم. ومن هذه الرسائل الكلمة في اللفظ أو الكتابة. فالكلمة التي كانت أفضل وسائل التفاعل العقلاني (الادراك) للتحقيق، اذا حملت مدلولاً خاطئاً تصبح وسيلة شلل.
فالتعاليم والأبحاث وجميع الوسائل لنشرها تكون، اذا أسيء استعمال الكلمة فيها، أداة شلل، وقد كان لنا ولا يزال من مخدرات العقل وطامسات نتاجه الشامل ما هو أدهى من كل شر طارىء. ان تحرير العقل في فعله وتفاعله في امكانيات المجتمع الواحد هو من أهم مسؤوليات المجتمع. والعسف الذي يعطل العقل يعطل كل شيء لأنه يعطل فعل الحياة.
 
جورج عبد المسيح
من كتاب “البناء الاجتماعي” ص 123 – 124
*البناء عدد 236 تاريخ 5 حزيران 1953
اظهر المزيد

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى