رسالة أبناء الحياة في 20 تموز 1949

العشقُ أنتِ وما بينَ أنفاسي ستُّ شهداء
العشقُ أنتِ وفجرُكِ يلوّحُ بأقواس النّصر
العشقُ أنتِ ونحنُ أقوى من الموتِ يا أُمّةَ الأبطالِ
ما أروعَ البطولاتِ يُمارسُها الرّجالُ التّواقون إلى رفعِ مستوى حياةِ الأمّة
ما أروعَ انتصارَ النفوسِ الكبيرةِ قبلَ دقائقَ من الاستشهاد
نحنُ أبناءُ النورِ، أبناءُ زوابعِ البناءِ نرفعُ وجهَ الأمّةِ المشرقة
هذا شأنُنا نحقّقُ فيهِ حقيقةَ أمّتِنا. هذا سيرُنا في الحياة
هذا الشاطىءُ لم يرتوِ بعدُ
ستّةُ قرابينَ جديدة تُقدَّمُ على مذبحِ الأُمّةِ لسيرِها إلى العزِّ والمجدِ
لم يفهم بعد الطغاةُ، أنّ الموتَ قد اندحرَ وسُحِقَت شوكتُهُ في قاموسِنا
عبد الحفيظ علامة
محمد شلبي
أديب الجدع
عبّاس حمّاد
معروف موفّق
محمد الزعبي
هم شهداءُ ستة اختارتهُمُ السلطةُ آنذاك لتُنَفِّذَ حكمَ الإعدام، وكعادَتِها اختارَت بعقليةِ المحاصصة، عقليةِ الخائنِ الخائفِ من أعمالِهِ. كلُّ هدفِ السلطةِ في ذلكَ الوقتِ وأدُ وعي الشعبِ وترهيب القوميين الاجتماعيين الذين أخذوا على عاتِقِهِم مهمّةَ الإنقاذِ. كلّ همِّ السلطةِ أن لا تنكَشِفَ على الشعب التي تسعى إلى خداعِهِ وذلِّهِ وقهرِهِ من أجلِ تأمينِ مصلحةِ العدوّ. عمدَت هذه السلطةُ إلى التنكيلِ بالقوميين الاجتماعيين خطّ الدفاع الأوّل عن مصلحةِ الأمّة. تريدُ النيلَ من عزيمةِ الحزبِ وانتشارِهِ، إنَّها محاولةٌ يائسةٌ تقودُها سلطةٌ عميلةٌ فاشلةٌ تحتقرُ إرادةَ الحياةِ وتعملُ في الليلِ والنهارِ إلى إخضاعِ كلّ مَن يقفُ إلى جانبِ الحقِّ القوميّ، عملَت على قمعِ كلّ مَن أراد تحريرَ أجيالِ الأمّةِ من الجهلِ والخوفِ والخنوعِ والضياع
سارعَ عبيدُ الموتِ إلى فتحِ أبوابِ الزنزانات: أنتُم بعدَ ساعاتٍ ستُعدَمون لأنَّكُم آمنتُم بأنّ الأمّةَ السوريّةَ حيّةٌ لا تموت
أنتم أيها الستة، ستُعدَمون لأنّكُم آمنتُم أنّ الأمّةَ السوريّةَ مجتمعٌ واحدٌ وأنَّ حقيقةَ هذا المجتمعِ لن تزولَ.
التقى الستة يتبادلونَ الكلامَ والعناقَ وكلَّما سمِعَ الحراسُ اسمَ سعاده ينتابُهُم الخوفُ، هل سيمرُّ في جولةٍ على السجناءِ يتباحثُ معَهُم طعمَ الموتِ والرصاص؟
جوابٌ واحدٌ إنّنا ذاهبون إلى الشهادةِ بكلِّ فخرٍ، هذا ما نتمنّاهُ أن نكونَ إلى جانبِ مطلقِ النورِ على أبناءِ الظلام.
عبّاس حمّاد، مواطنٌ، سيذهبُ إلى عامودِ الإعدامِ بعدَ قليلٍ، طلبَ من الرفيقِ محمد شبلي بصفتِهِ مدير مديرية نبوخذ نصر في دمشق أن يسمحَ لهُ بأداءِ قسمِ اليمين، فهو يريدُ أن ينالَ شرفَ الشهادةِ ممهورةً بشرفِ الانتماءِ إلى الحزبِ السوريّ القوميّ الاجتماعي
- لكَ ذلك يا عبّاس حمّاد، لقد كنتَ تقاتلُ في فلسطين، تطلبُ الموتَ فيجزعُ منكَ هاربًا وها أنتَ تلاحقُهُ وتهزمُهُ قبلَ دقائقَ من الإعدام
- يأمرُ الرفيق محمد شبلي الرفيق أديب الجدع بأن يعطيَ الإيعاز إيذانًا بافتتاح جلسةِ قسمِ الانتماء.
- يرتعبُ الحراسُ لحركةٍ لم يألفوها وصوتِ قرقعةِ الحديدِ بأيدي الرفقاءِ يحاولُ الحراسُ تفريقَهُم ظنًّا أنَّ هذا الاجتماعَ ممنوعٌ ولا يَسمَحُ بهِ القانون،
- وأيُّ قانونٍ أقوى من قانونِ الحياةِ، الحياةِ السوريّةِ والطريقُ إلى الحياةِ واحدٌ. سعاده
- نعم، لا إرادة فوق إِرادة القوميين الاجتماعيين، حتى الموت لا سلطانَ لهُ على هذه الارادة.
- تدافعَ الحراسُ بأسلحتِهِم لفضِّ هذا الاجتماع فقابلَهُم رفقاءٌ عزَّل مكبَّلي الأيدي، ولكنّ الباطل خضعَ تحتَ عزيمةِ وزئيرِ أُسدٍ. تراجعَ الحراسُ مبدين عدمَ الاكتراثِ لما يحصل
- ورغم القيودِ تمكَّنَ عبّاس حمّاد من أداءِ قسمِ الانتماءِ. يعانقُ الأبطالُ بعضَهُم بعضًا، يتبادلون التحايا، ثم يلاطفونَ الحراسَ، يواسونهُم لِضُعفِهِم عن إدراكِ ما حصلَ فهُم جنودُ أُمرةٍ لا جنودُ حياةٍ وعقيدةٍ
- يستعجلُ الرفقاءُ الستة الشهادة، يتبادلون أعمدَةَ الإعدامِ المُعدَّةِ لَهُم، يأخذونَ أماكنَهم مستعدّين
- أديب الجدع، بصوتٍ كقصفِ الرعودِ يوقفُ أحد الجنودِ الذي طلبَ إليهِ أن يتلوَ نصَّ الحُكمِ على مسامعِ الرفقاءِ المحكومين. ” شي مفهوم يسلم تمّك لا تعزب قلبك”
- ارتفعَ الهتافُ مدوّيًّاً بصوتِهِم للمرةِ الأخيرةِ قبل الإعدام
هكذا العقائدُ تُبنى، وهكذا طريقُ النصرِ يُعبَّدُ بالدّم
دمُ الفداءِ القوميّ، فإلى ساحاتِ الجهادِ يا أبناءَ الحياة.
وكيل عميد الاذاعة
الرفيق شادي القعسماني