أخر الأخبار

شقّ الطريق لتحيا سورية

قال سعاده:
“أخيرًا وجدت الأمّة السورية نفسها في النهضة القومية التي أوجدها وقادها الحزب السوري القومي. ومتى وجدت أمّة نفسها فقد وجدت حقوقها ووجدت السبيل إلى هذه الحقوق.
منذ فقدت سورية سيادتها المطلقة بزوال الإمبراطورية السورية السلوقية، ومنذ عادت ففقدت سيادتها النسبية بتغلب العباسيين على الأمويين وبطلان كونها مركز الدولة الدينية في الإمبراطورية الإسلامية تعاقبت على سورية قرون من الخضوع للسيادات الأجنبية المتوالية عليها فأفقدت أهلها كل معنى من معاني القومية والسيادة القومية وساعد اختلاف المذاهب الذي منيت به على إفقادها كل سبب من أسباب الوحدة الاجتماعية والسياسية وكل طموح إلى القوة السياسية التي يجدر بها الحصول عليها. وكان من نتائج تعاقب عصور الخضوع وحلول التصادم الاجتماعي الداخلي، المسبب عن تزاحم الجماعات الدينية محل التعاون الاجتماعي الذي هو الطريقة الأساسية لحفظ حياة المجتمع وشخصيته وتأهيله للتقدم في مراقي العمران والتقدم، إن الأجيال السورية أخذت تتوارث أمرًا واقعًا وحالا راهنة فتحسبهما حادثين طبيعيين لا مفر منهما وتجتهد في توفيق حاجاتهما لهما، فرأت الطبقات العليا أن تبحث عما يرضي المسيطر الأجنبي فتفعله، بائعة مصالح الطبقات العاملة وسلمت الطبقات الدنيا أمرها للقدر.
في هذه الحال التي عرفت فيها الأمّة السورية استعبادين: الخضوع للإقطاعي المتحكم في رقاب الفلاحين وخضوع مجموع الأمّة للطاغية الأجنبي، نام الوجدان القومي في سورية نومه العميق وأضاعت الأمّة شخصيتها في الشخصيات الدينية المتضاربة المصالح وفي المؤسسات اللاقومية، وفي أثناء نوم الوجدان القومي ظلت المؤسسات الاجتماعية العتيقة مستمرة في عملها الكلاسيكي حتى كادت العقلية السورية تتحجر تحت مؤثراتها المحدودة الخالية من أي منبه أو حافز لتجديد الحياة وظلت الأمّة السورية في غفلة عن أخطار تنازع الحياة والتفوق بين الأمم.
تحت هذا النير المزدوج من الخضوع وقفت الثقافة السورية عند الحد الذي كانت قد بلغته، فلم يحدث في سورية أي تطور جديد لا في الثقافة المادية ولا في الثقافة النفسية فلا الزراعة اكتسبت شيئًا ولا الصناعة زادت ولا العلم ازداد ولا الفنون ارتقت، وظلت الحياة تجري ضمن مؤسسات المذاهب الدينية والإقطاع ومشيخة العشائر في بعض الأنحاء فلا يفتح سوري عينيه إلا على طائفته أو عشيرته أو سيده وكان أساس الحياة الاجتماعية أما الطائفية وأما العشيرة وكان أساس الحياة الاقتصادية الرق للإقطاعي وبعض المهن الحرة والتجارة التي لم تكن تستند إلى صناعة محلية.”
من “شقّ الطريق لتحيا سورية”

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى