أخر الأخبار

محاضرة الزعيم الأولى في الندوة الثقافية-الجزء الثاني

المحاضرات العشر التي القاها الزعيم في الندوة الثقافية..كما سجلها الأمين جورج عبد المسيح
تحريك نص الرفيق نايف معتوق
تسجيل صوت الرفيقة حنان صليبا



في الاجتماعِ الأوّلِ للطلبةِ قلتُ شيئًا أريدُ أن أذكًرَ الطلّابَ به وهو: عندما نقولُ نهضةً نعني شيئًا واضحًا لا التباسَ فيه ولا مجالَ لتضاربِ التأويلاتِ في صددِه. النهضةُ لا تعني الاطّلاعَ في مختلِفِ نواحٍ ثقافيةٍ متعدّدةٍ وفي التياراتِ الفكرية الموزّعة في هذه البلاد والتي جاءت مع بعضِ المدارسِ من أنقلوسكسونيةٍ ولاتينيةٍ وغيرِها، وإنّها لا تعني مجرّدّ الاطّلاعِ والتكلُّمِ في المواضيعِ المتعدّدةِ أو المتضاربةِ بدون غايةٍ وقصدٍ ووضوح.
التكلُّمُ فيما نعرفُه عن بعضِ الفلاسفةِ الغربيين أو المفكّرين السياسيين الغربيين أو الذين اكتشفوا اكتشافاتٍ علميةٍ لا يكفي ليكوِّنَ نهضةً منّا نحن.
إنّ النهضةَ لها مدلولٌ واضحٌ عندنا وهو: خروجُنا من التخبّطِ والبلبلةِ والتفسّخِ الروحيّ بين مختلِفِ العقائدِ إلى عقيدةٍ جليّةٍ صحيحةٍ واضحةٍ نشعرُ أنّها تعبّرُ عن جوهرِ نفسيتِنا وشخصيّتِنا القوميةِ الاجتماعيةِ، إلى نظرةٍ جميلةٍ، قويّةٍ، إلى الحياةِ والعالم.
إذا وصلنا إلى الاقتناعِ بأنّنا أصبحنا ننظرُ إلى الحياةِ وإلى الكونِ الماثلِ أمامَنا وإلى الخَلقِ الذي ينبثقُ منّا، بالنسبة إلى الإمكانياتِ كلِّها في العالمِ ونستعرضُ مظاهرَها ونفهمُ كلَّ ذلك فهمًا داخليًّا، بنظرٍ أصليٍّ ينبثقُ منّا نحنُ بالنظرِ لحقيقتِنا، حينئذٍ يمكنُنا القولُ إنّ لنا نهضةً، إنّ لنا أهدافًا.
أمّا التكلّمُ المبعثَرُ على وولتار وموليار ولنكلن وهيقل ووليم جايمس وكانت وشوبنهور… إلخ. وعلى مختلِفِ المدارسِ الفكريةِ، بدونِ أن يكونَ لنا رأيٌ وموقفٌ واضحٌ من تلك الأفكارِ وأولئك المفكرين، فلا يعني أنّ لنا نهضةً. إنّ ذلك لا يعني إلّا بلبلةً وزيادةَ تخبّطٍ. إنّ الفكرَ البعيدَ عن هذه القضايا هو أفضلُ من الفكرِ المضطرِبِ المتراوحِ الذي لا يقدرُ أن ينحازَ أو أن يتّجهَ، لأنّه متخبِّطٌ وليس له نظرةٌ أصليةٌ، ولا يدركُ ماذا يريد.
الفكرُ المضطربُ يبتدئُ بالتأثرِ بأحدِ المفكرين ثم ينتقلُ إلى آخرَ ثم يحصرُ نفسَه ضمن نطاقِ بعضِ الأفكارِ ولا يعودُ يخرج. ويبدأُ بمناقضةِ كلِّ مَن له رأيٌ آخرُ فتنشأُ حالةَ الفسيفساءِ التي تتقاربُ قطعُها ولكنّها لا تتّحد.
إن مثلَ هذا الفكرِ لا يمكنُه أن يحقّقَ شيئًا. الإنسانُ الذي لا يزالُ على سذاجةِ الفطرةِ له شخصيةٌ واستقلالٌ نفسيٌّ وجوهرٌ أعظمُ من شخصٍ وضعَ نفسَه أداةً تسيرُ بأفكارٍ بعيدةٍ عن حقيقتِه. إنّ الأفكارَ المعتنَقَةَ اقتباسًا من الخارجِ لا تحرّكُ عواملَ النفسيةِ الصحيحة.
النهضةُ، إذًا، هي الخروجُ منَ التفسّخِ والتضاربِ والشكِّ إلى الوضوحِ والجلاءِ والثقةِ واليقينِ والإيمانِ والعملِ بإرادةٍ واضحةٍ وعزيمةٍ صادقة. هذا هو معنى النهضةِ لنا.
هذا المعنى ظهرَ طابَعُه في بدايةِ العملِ السوريِّ القوميِّ الاجتماعيّ. ويظهرُ ضمنَ وثائقَ متعدّدةٍ أهمُّها وأوّلُها خطابُ الزعيمِ في أوّلِ حزيران 1935 الذي عبّرَ فيه عن قواعدَ أساسيّةٍ هامّة وعن أهدافٍ عمليةٍ يتوخّى الحزبُ إصابتَها والتمكّنَ منها.
وقد فهمَ الناظرون، من خارجِ الحزبِ، إلى ذلك الخِطابِ، قيمتَه العَقَديةَ والتوجيهيةَ وتعبيرَه عن نظرةِ الحزبِ ونهجِه، وعدّوه الوثيقةَ الأساسيةَ لدرسِ حقيقةِ الحزبِ السوريّ القوميّ الاجتماعيّ ومراميه وكتبوا في ذلك، كما فعل الخور أسقف لويس خليل الذي أصدر سنة 1936 كُرّاسًا لمحاربةِ النهضةِ القوميةِ الاجتماعيةِ وتعاليمِها التحريريةِ الواضعةِ قواعدَ مجتمعٍ جديد، جعل عنوانَه «الحزبُ السوريُّ القوميُّ، مؤامرةٌ على الدينِ والوطن». وفي اجتماعٍ مقبلٍ سنحلّلُ ذلك الخطابَ، ثم ندرسُ من جديدٍ المبادئَ التي نُدينُ بها دراسةً كاملة.
إنَّ المبادئَ هي مكتنزاتُ الفكرِ والقوى، هي قواعدُ انطلاقِ الفكرِ. وليست المبادئُ إلّا مراكزُ انطلاقٍ في اتجاهٍ واضحٍ إذا لم نفهمْها صَعُبَ علينا أخيرًا أن نفهمَ حقيقةَ ما تعني لنا، كيف نؤسّسُ بها حياةً جديدةً أفضلَ من الحياةِ التي لا تزالُ قائمةً خارجَ نطاقِ نهضتِنا.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

أخر الأخبار

محاضرة الزعيم الأولى في الندوة الثقافية-الجزء الاول

المحاضرات العشر التي القاها الزعيم في الندوة الثقافية..كما سجلها الأمين جورج عبد المسيح
تحريك نص الرفيق نايف معتوق
تسجيل صوت الرفيقة حنان صليبا

ما كاد الزعيمُ يبتدئُ بإلقاءِ سلسلةِ الدروسِ في الندوةِ الثقافيّة، حتى تولّد تيّارٌ فكريٌّ- روحيٌّ حرّكَ أوساطَ النهضةِ القوميّةِ الاجتماعيّة وأوساطَ بيروتَ الثقافيّة. فبعدَ أن حضرَ المحاضرةَ الأولى نحو خمسةٍ وسبعين شخصًا، ارتفعَ عددُ الحضورِ في المحاضرةِ الثانيةِ إلى نحوِ مئةٍ وخمسين وفي المحاضرةِ الثالثةِ إلى نحوِ ثلاثِ مئةٍ ، وآخرُ محاضرةٍ أُلقيتْ كان عددُ الحضورِ فيها يبلغُ حوالي ستِّ مئةِ شخصٍز والإقبال من دورِ العلمِ وأوساطِ الثقافةِ من خارجِ نطاقِ الحركةِ القوميّةِ الاجتماعيةِ يزدادُ كلَّ أسبوع.
في أوّلِ اجتماعٍ عُقدَ في هذا المكانِ وكان مخصَّصًا للطلبةِ القوميين الاجتماعيين في الجامعةِ الأميركانية، وَعدتُ الطلبةَ بإعادةِ النشاطِ الثقافيِّ في الحزبِ القوميِّ الاجتماعيّ بإعادةِ الندوةِ الثقافيةِ التي كانت تأسّستْ في الحزبِ قبلَ سفري واستمرّت نحو سنتين، ثمّ تركت أعمالَها بسببِ الحربِ والاعتقالاتِ والمعاركِ السياسيةِ التي تعرّضَ الحزبُ لها.
في الاجتماعِ الأوّلِ المذكورِ أعلنتُ للرفقاءِ الطلبةِ أنّي أرى أنّ انتشارَ الحركةِ القوميةِ الاجتماعيةِ، في السنواتِ الأخيرةِ، كانَ مجردَ انتشارٍ أفقيًّ، سطحيٍّ، يُعرّضها بقاؤُها عليه للميعانِ والتفسّخِ والتفكّكِ. ولذلك أرى الإسراعَ بإعادةِ الندوةِ الثقافيةِ ودرسَ تعاليمِ النهضةِ القوميةِ الاجتماعيةِ والقضايا التي تتناولُها، ضرورةً لا يمكنُ إغفالُها.
فالحضورُ إلى الندوةِ يجبُ أن يُعتبرَ، خصوصًا في الأوساطِ الثقافيةِ، واجبًا أوّليًّا أساسيًّا في العملِ للحركةِ القوميةِ الاجتماعية، لأنّه إذا لم نفهمْ أهدافَ الحركةِ وأسسَها والقضايا والمسائلَ التي تواجهُها لم نكنْ قادرين على فعلِ شيءٍ في سبيلِ الحركةِ والعقيدةِ والغايةِ التي اجتمعنا لتحقيقِها. فالمعرفةُ والفهمُ هما الضرورةُ الأساسيةُ الأولى للعملِ الذي نسعى إلى تحقيقِه.
وإذا كنّا نريدُ، فعلًا، تحقيقَ النهضةِ القوميةِ الاجتماعيةِ وتأسيسَ المجتمعِ الجديدِ بتعاليمِها ودعائمِها، كان الواجبَ الأوّلَ على كلَّ قوميٍّ اجتماعيٍّ في الأوساطِ الثقافيةِ، الاطلاعُ على الأمورِ الأساسيةِ، وفي صدرِ وسائلِ الاطّلاعِ والمعرفةِ الصحيحةِ، الندوةُ الثقافيةُ. فيجبُ أن نطبّقَ نظامَنا على اجتماعاتِ الندوةِ الثقافيةِ. وإذا كنّا لا نقدرُ أن نطبّقَ النظامَ في الأوساطِ المثقّفةِ اعترفْنا بأنّ هذه الأوساطَ غيرُ صالحةٍ لحملِ أعباءِ حركةٍ فكريّةٍ ذاتِ نظرةٍ واضحةٍ إلى الحياةِ وليست أهلًا للاضطلاعِ بعملٍ عظيمٍ كالذي وضعناه نُصبَ أعينِنا، وهو إيجادُ مجتمعٍ جديدٍ نيّرٍ في هذه البلادِ وإيصالُ هذه النظرةِ إلى كلِّ مكانٍ. يجبُ علينا أن نفهمَ هدفَنا فهمًا صحيحًا لنكونَ قوّةً فاعلةً محقَّقةً وكي نتمكّنَ من العملِ المنتجِ.
بعد الاطّلاعِ يمكنُ تكوينُ رأيٍ. وحينئذٍ لا يبقى مجالٌ لحدوثِ بلبلةٍ كما حدثَ في الماضي في غيابي وعلى أثرِ مجيئي وأخذي الأمورَ بالنقدِ والتحليلِ وأخذي التدابيرَ للقضاءِ على الفوضى والانحرافاتِ التي كانت آخذةً في التفشي وتهديدِ مستقبلِ هذه النهضةِ العظيمةِ القائمةِ بالإيمانِ وآلامِ ألوفِ العاملين بإيمانٍ وإخلاص. فلا بدَّ منَ الاعترافِ أنّه كان في الدوائرِ العليا تفسُّخٌ في الأفكارِ والروحيةِ وفي النظرِ إلى الحركةِ ومراميها.
ولكي لا نعودَ القهقرى يجبُ أن نكونَ مجتمعًا واعيًا، مدركًا، وهذا لا يتمُّ إلّا بالدرسِ المنظَّمِ والوعيِ الصحيح. إنّ محاضرةً تشتملُ على كلَّ الأسسِ في الحركةِ القوميةِ الاجتماعيةِ لا تُعطي النتيجةَ الثقافيةَ المطلوبة، لأنّ الثقافةَ عملٌ طويلٌ لا يمكنُ أن يتمَّ برسالةٍ واحدةٍ أو كتابٍ واحدٍ ولأنَّ الأمورَ تحتاجُ إلى تفصيلٍ وتوضيحٍ بالنسبةِ للمسائلِ التي نواجهُها علينا أن نفهمَ فلسفةَ الحركةِ لندركَ كيف يمكنُ أن نُعالجَ الأمور.

 

 

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى