من كلمة المطران جورج خضر في حفل تأبين الرفيق جورج عبدالمسيح، 14 أيلول 1999
من حيث عَلِمَ أم لم يعلم كان جورج عبدًا للمسيح لأنه كان عاشقًا الحبَّ، ومتبتّلًا لقومه في حلمه بوحدتهم، وإصراره على هذه الوحدة تجيئهم من تاريخ ومن أصالة نفوسهم وقدرتها على الحقّ ونموّ هذا الحقّ فيها..
لقد انحصر جهاده في إنزال الرسالة إلى حامليها وتربيتهم على الصدق والإخلاص في معرفةٍ، وفي هذا آمن بالعقل..
النادر من الرجال يبذل حياتَه كلّها، القلائل الأعظمون يُبيدون أناهم المقيت. جورج عبد المسيح لم يترك ثنية من ثنايا نفسه فريسة للأنا. سجنٌ بعد سجن وألمٌ بعد ألم، واستماتةٌ بعد استماتةٍ في حريةٍ من أصنام هذا العالم جعلت منه إنسانًا فريدًا. إنهم كذلك الذين اعتبروا أنّ العقيدة فاعلةٌ إنْ أنت تقبّلتها بطهارة واستعفاف، وإذا التمستَ عقيدتَك كائنة ما كانت، كما لو كنت تتقرّب إلى إلهٍ مسكوبٍ في نفسك، أوَعَيْتَ باسمه أم لم تعِ، ذلك أنّ الربّ يسكن الطهر والصدق ولا يعلوهما. من هنا إنّ جورج كان ينتمي إلى كنيسة الأبرار القائمة في نفس كلٍّ منا، والتي لا يخرج منها إلّا من خرج على النقاوة. والله وحده يُدين سرائر الناس بعد أن يكونوا قد أصرّوا على روح التكريس الذي كان عليه هذا المحتجِب الحاضر. قلت حاضر، لأنكم على أيّ مذهب كنتم في السياسة لا يسعكم إلّا أن تعتبروا جورج عبد المسيح قدوةً تستلهمون.
لفتني دائمًا جبرؤوت هذا الرجل وصلابته، وما كان هذا فيه إلّا قبسًا أو استمدادًا من القدير العزيز.
أن تكون مهيمنًا على نفسك بلا شهوة من الأرض أو ضدّ كلّ شهوة فهذا لا تؤتاه من تمرُّسٍ وحسب، ولكن من نعمة قذفها الله في القلب، وحسباني أن جورج كان يتراءى له هذا…
ولقد فهمت كنيستي التي عُمّد فيها جورج عبد المسيح أنّ لمادة الكون قدسية كبيرة لأن ابن الله اتّخذها جسدًا له، وإنها على هذه القدسية إلى الأبد. وقد تكلم على هذا آباؤنا الذين قالوا إنّ الكون كلّه سيغدو نورًا في اليوم الأخير، وهذا ما يقود إلى القول بأن الذين فهموا هذا وعاشوا معًا على أرضٍ واحدة هم أمّة واحدة تتحرّك معًا بكلّ شرائحها وتصبو إلى عزّتها وخدمةٍ تقوم بها، وهي إذا وعت نفسها وتعهّدت نفسها لا تكره أحدًا ولا تستغلّ أحدًا ولا تُستعبَد لأنها إذ ذاك تصير شرذمةً…
هذا ليس فقط فلسفة من دنياكم، إنه عندي لاهوتٌ، إنه التزام دينيّ أن تبيد زمنيات الطوائف، إنه إعلاء لروحيتها وتعميق لوجدانها أن تصبح حرّة من تراب الأرض. لقد فهم جورج عبد المسيح هذا فهمًا كثيرًا، وهذا لا يتأتى إلّا لأكابر الرؤية. وبعد أن عاد جورج إلى التراب وبقي نداؤه في الخيّرين من أهل بلدي، يذهب إلى الرحمة… سيبقى جورج عبد المسيح إرثًا لأهل الأرض، ويتكلّل هو بالمجد الأسنى في جوار العرش، وسيفرح هناك إذا قامت هذه الأمّة من سباتها. سيعلّمه ربّه ما لم يعلم ويضمّه إلى صدره، فيدرك عند ذاك أنّ الكثير من خلجات قلبه كان خلجات المسيح، آمين.
في 14 أيلول 1999
المطران جورج خضرمن حيث عَلِمَ أم لم يعلم كان جورج عبدًا للمسيح لأنه كان عاشقًا الحبَّ، ومتبتّلًا لقومه في حلمه بوحدتهم، وإصراره على هذه الوحدة تجيئهم من تاريخ ومن أصالة نفوسهم وقدرتها على الحقّ ونموّ هذا الحقّ فيها..
لقد انحصر جهاده في إنزال الرسالة إلى حامليها وتربيتهم على الصدق والإخلاص في معرفةٍ، وفي هذا آمن بالعقل..
النادر من الرجال يبذل حياتَه كلّها، القلائل الأعظمون يُبيدون أناهم المقيت. جورج عبد المسيح لم يترك ثنية من ثنايا نفسه فريسة للأنا. سجنٌ بعد سجن وألمٌ بعد ألم، واستماتةٌ بعد استماتةٍ في حريةٍ من أصنام هذا العالم جعلت منه إنسانًا فريدًا. إنهم كذلك الذين اعتبروا أنّ العقيدة فاعلةٌ إنْ أنت تقبّلتها بطهارة واستعفاف، وإذا التمستَ عقيدتَك كائنة ما كانت، كما لو كنت تتقرّب إلى إلهٍ مسكوبٍ في نفسك، أوَعَيْتَ باسمه أم لم تعِ، ذلك أنّ الربّ يسكن الطهر والصدق ولا يعلوهما. من هنا إنّ جورج كان ينتمي إلى كنيسة الأبرار القائمة في نفس كلٍّ منا، والتي لا يخرج منها إلّا من خرج على النقاوة. والله وحده يُدين سرائر الناس بعد أن يكونوا قد أصرّوا على روح التكريس الذي كان عليه هذا المحتجِب الحاضر. قلت حاضر، لأنكم على أيّ مذهب كنتم في السياسة لا يسعكم إلّا أن تعتبروا جورج عبد المسيح قدوةً تستلهمون.
لفتني دائمًا جبرؤوت هذا الرجل وصلابته، وما كان هذا فيه إلّا قبسًا أو استمدادًا من القدير العزيز.
أن تكون مهيمنًا على نفسك بلا شهوة من الأرض أو ضدّ كلّ شهوة فهذا لا تؤتاه من تمرُّسٍ وحسب، ولكن من نعمة قذفها الله في القلب، وحسباني أن جورج كان يتراءى له هذا…
ولقد فهمت كنيستي التي عُمّد فيها جورج عبد المسيح أنّ لمادة الكون قدسية كبيرة لأن ابن الله اتّخذها جسدًا له، وإنها على هذه القدسية إلى الأبد. وقد تكلم على هذا آباؤنا الذين قالوا إنّ الكون كلّه سيغدو نورًا في اليوم الأخير، وهذا ما يقود إلى القول بأن الذين فهموا هذا وعاشوا معًا على أرضٍ واحدة هم أمّة واحدة تتحرّك معًا بكلّ شرائحها وتصبو إلى عزّتها وخدمةٍ تقوم بها، وهي إذا وعت نفسها وتعهّدت نفسها لا تكره أحدًا ولا تستغلّ أحدًا ولا تُستعبَد لأنها إذ ذاك تصير شرذمةً…
هذا ليس فقط فلسفة من دنياكم، إنه عندي لاهوتٌ، إنه التزام دينيّ أن تبيد زمنيات الطوائف، إنه إعلاء لروحيتها وتعميق لوجدانها أن تصبح حرّة من تراب الأرض. لقد فهم جورج عبد المسيح هذا فهمًا كثيرًا، وهذا لا يتأتى إلّا لأكابر الرؤية. وبعد أن عاد جورج إلى التراب وبقي نداؤه في الخيّرين من أهل بلدي، يذهب إلى الرحمة… سيبقى جورج عبد المسيح إرثًا لأهل الأرض، ويتكلّل هو بالمجد الأسنى في جوار العرش، وسيفرح هناك إذا قامت هذه الأمّة من سباتها. سيعلّمه ربّه ما لم يعلم ويضمّه إلى صدره، فيدرك عند ذاك أنّ الكثير من خلجات قلبه كان خلجات المسيح، آمين.
في 14 أيلول 1999
المطران جورج خضر